عرب ترند- أحدث إعلان البنك الدولي تعليق عمله بشكل مؤقت مع تونس جراء أزمة المهاجرين الأفارقة، حالةً من الجدل، وتصدّر الخبر الذي نقلته وكالة “رويترز” حديث التونسيين عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأوردت الوكالة خبراً، الأحد 5 مارس 2023، قالت فيه إن البنك الدولي قرر إيقاف عمله مع تونس بعد أن أثارت تصريحات الرئيس قيس سيعد بشأن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء مضايقات وأعمال عنف بدوافع عنصرية.
البنك الدولي يعلّق عمله مع تونس
وأكدت الوكالة أن رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، ذكر في مذكّرة بعثها للموظفين، أن خطاب سعيّد تسبّب في “مضايقات بدوافع عنصرية وحتى حوادث عنف”، وأن المؤسسة الدولية أرجأت اجتماعاً كان مبرمجاً مع تونس حتى تنتهي من تقييم الوضع.
وتابع مالباس في المذكّرة: “نظراً للوضع، قررت الإدارة إيقاف إطار الشراكة مع الدولة التونسية، وأرجأ اجتماع مجلسه الذي كان مقرّراً في 21 مارس الجاري حول مراجعة تعامل إستراتيجي جديد مع البلاد حتى إشعار آخر”.
ولفت رئيس المؤسسة الدولية، إلى أن البنك الدولي يعتبر الإجراءات التي أعلنتها الحكومة التونسية لحماية ودعم المهاجرين واللاجئين خطوةً إيجابية، وسيراقب تأثيرها.
وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت عن مجموعة من الإجراءات العاجلة لفائدة المهاجرين الأجانب، بداية الأسبوع الجاري، منها تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة وتسهيل عمليات المغادرة الطّوعية للراغبين في ذلك، وتعزيز الإحاطة وتكثيف المساعدات الاجتماعية والصحية والنفسية اللّازمة لهم، فضلاً عن وضع رقم هاتف على ذمة المقيمين من مختلف الدول الأفريقية للإبلاغ عن أي تجاوز يتعرضون له.
جدل في تونس بعد إيقاف البنك الدولي تعامله مع تونس
وأثار إعلان البنك الدولي، حالة من الفزع والتخوف والاستياء في صفوف التونسيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة وأن وضع البلاد الاقتصادي لا يتحمل مثل هذه الإجراءات والدولة في حاجة ماسة لتمويلات أجنبية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي التونس، عز الدين سعيدان، إن قرار البنك الدولي “سيعقد الوضع أكثر ولن يتم النظر في ملف تونس في اجتماع صندوق النقد الدولي المقرر يوم 21 مارس الجاري”.
وأقرّ الخبير في تصريح لإذاعة “شمس”، بأنّ “ما حدث في تونس على خلفية تصريحات الرئيس بشان الأفارقة ستكون كلفته باهضة جداً”، مشيراً إلى أن “قرار البنك الدولي سيصعب مهمة تونس في الحصول على تمويلات خارجية”.
وذكر سعيدان: “أنه لن يتم برمجة الملف التونسي مجدداً قبل 3 أشهر على الأقل إذا تمكنت السلطات التونسية من طيّ ملف التصريح”.
أما الناشط سامر بن إبراهيم، فقد أشار إلى أن “إلغاء اتفاق العمل بين البنك الدولي وتونس يعني أوتوماتيكياً إلقاء تونس بين أحضان الصين ومنظمة شنغهاي للتعاون”.
وأضاف في تغريدة: “لازم الناس تعرف أنه البنك الدولي وصندوق النقد، ماهمش منة أو منحة أو مزية تقدم لتونس، إنما هو إدماج ليها في نظام نقدي غربي وخروجنا منه يعني أوتوماتيكيا أننا سنبحث عن نظام مالي بديل”.
وشدّد بن إبراهيم، على أنه “إذا تواصل تونس على الطريقة هذه أي تواصل البحث عن استقلالية قرارها فإن مثل هذه الخطوات غير مستبعدة”، منتقِداً في ذات السياق وكالة “رويترز”، التي قال إنها تعمل على بث الشائعات من وقت إلى آخر حول تونس لأغراض غربية.
ويرى عمر الزمزمي الأمرَ بشكل مختلف عن البقية، حيث أشار في منشور على “فيسبوك”، إلى أنّ “تضخيم ملف الأفارقة من جنوب الصحراء المهاجرين في تونس بصفة غير قانونية والإشاعات بخصوص إيقاف التعاون بين البنك الدولي وتونس وغيرها من الحملات المغرضة الهدف منها هو صرف النظر عن ملف المحاسبة وتشتيت النظر عنه خاصة مع تواطىء أطراف خارجية وضلوعها في المس بالأمن القومي التونسي”.
بدوره، قال الدكتور حاتم الغزال، إنه “عندما يصدر البنك الدولي وثيقة بإيقاف التعامل مع تونس بسبب أعمال عنف عنصرية لا يمكن لعاقل أن يقبل ذلك”،بطبيعة الحال كنا أول من رفض الخطاب العنصري و أول من دعا إلى حل مشكلة المهاجرين الغير نظاميين بعيدا عن خطاب المؤامرة و العرقيّة و بعيدا عن الشعارات النارية التحريضيّة ولكن الحديث عن أعمال عنف عنصرية في تونس مرفوض تماما فهو تهويل كبير جدا وراءه ما وراءه من الأغراض السياسية”.
ولفت إلى أنه “آخر من يمكن أن يدافع عن قيس سعيد و لكنني هنا أدافع عن شرف بلدي و سمعته و تاريخه الذي يكتب اليوم و الذي أرفض ان يقع تشويهه شماتة في أي كان”، مؤكّداً، أنّ “البنك الدولي ساعد تونس كثيرا في السنوات الأخيرة خلال أزمة كورونا و أزمة توريد القمح و غيرها و رغبته اليوم في تغيير سياسته نحو تونس لأسباب تخصّه لا تسمح له بتوجيه هذه التهمة الخطيرة و الملفّقة للشعب التونسي”، على حدّ قوله في منشور على “فيسبوك”.
توضيح البنك الدولي
وردّاً على الجدل الذي أحدثه خبر تعليق تعامله مع تونس، أصدر البنك الدولي توضيحاً، أكد فيه أنه قام بتعليق المناقشات بشكل مؤقت حول إطار الشراكة القُطْريّة للبنك الدولي مع تونس، والذي يحدّد التوجهات الإستراتيجية لأنشطة العمليات في المدى المتوسط (2023-2027).
وشدّد البنك الدولي، في بيانه التوضيحي، على استمرار الحوار والتواصل مع السلطات التونسية، لافتًا إلى أنّ رئيس مجموعة البنك الدولي وجّه رسالة داخلية للموظفين حول الأحداث الأخيرة في تونس، والتي تثير قلقًا عميقًا لمجموعة البنك الدولي وموظفيها.
وأبرز البنك أن سلامة المهاجرين والأقليات وإدماجهم يعتبر جزءًا من القيم الأساسية لمؤسستنا المتمثلة في الإدماج والاحترام ومناهضة العنصرية بجميع أشكالها وأنواعها، حيث أعربت إدارة مجموعة البنك الدولي عن ذلك بوضوح للحكومة التونسية.
ولفتت مجموعة البنك الدولي إلى أنها تكرّس عملها في تونس للمساعدة في خلق حياة أفضل لجميع الأشخاص، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو مهاجرين، مُجدّدةً تأكيدها على أن البنك ما زال يعمل بشكل كامل في تونس من أجل شعبها وبهذه القيم.
التواصل بين تونس والبنك الدولي قائم
وفي ذات السياق، أكد نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، أن تواصل البنك الدولي مع تونس قائم ولا يطرح أي نقطة استفهام.
وأوضح بلحاج أن التواصل بين تونس والبنك الدولي قائم سواء كان على مستوى التمويلي أو التقني أو النقاشات، خاصة وأن تونس هي بلد عضو في البنك، مشيراً إلى مجموعة من المشاريع المستقبلية بين تونس والبنك الدولي.
وبيّن فريد بلحاج أنه تمّ التعليق بصفة وقتية التداول حول إستراتيجية تعاون بين الطرفين، وهي إستراتيجية دورية كل 5 سنوات، نافياً أيّ تعليق أو إيقاف للعلاقات مع تونس.
أوضح أنه لا علاقة لقرار البنك الدولي بنقاشات تونس مع صندوق النقد الدولي، وذكر أن الموضوع ليس له أي تداعيات على المفاوضات بين الصندوق والدولة التونسية، حيث تُجري تونس مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.
وبشأن علاقة القرار بتصريحات الرئيس حول المهاجرين الأفرقة، لفت المسؤول التونسي إلى أن بعض العاملين من الأفارقة في مكتب تونس للبنك الدولي أعلموا عن شعورهم بتضييقات وتعرضهم لهرسلة الأسابيع الماضية، معرباً في ذلك عن تضامنه وتضامن البنك الدولي المطلق مع زملائهم سواء كانوا في مكتب تونس أو أي مكتب آخر للبنك الدولي في العالم.
وكانت تصريحات الرئيس قيس سعيد التي اعتبر فيها وجود مخطط لتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، ونادى فيها بضرورة القيام بإجراءات عاجلة لإيقاف تدفق المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى تونس، قد أثارت كثيراً من الجدل في تونس وخارجها، حيث اعتبرها بعضهم “عنصرية”.
وإثر تصريحات سعيد، عاد مئات المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلدانهم خوفاً من موجة العنف التي طالت عدداً منهم، منها موجة من عمليات الطرد من العمل والمساكن والاعتداءات اللفظية والجسدية على الرغم من عدول الرئيس عن تصريحاته ودعوة التونسيين للتعامل الجيد مع المهاجرين الأجانب.
بعد تصريحات سعيد…دولاً أفريقية تبدأ في ترحيل مواطنيها من تونس pic.twitter.com/o0XwUNIcHr
— عرب ترند (@alarabtrends) March 3, 2023
وعقب موجة من التنديدات والاستنكارات الدولية من جمعيات ومنظمات حقوقية ومسؤولين دوليين، شدّدت تونس على أنها عملت وتعمل دائماً على مناهضة العنصرية بجميع أنواعها وأن تصريحات رئيس الدولة تم تحريفها وإخراجها من سياقها.
كما قررت الحكومة اتخاذ جملة من الاجراءات لفائدة المهاجرين الأفارقة المقمين على الأراضي التونسية، في خطوة تهدف لامتصاص غضب الحقوقيين والشارع التونسي، الذي رفض بدوره تصريحات سعيد واعتبرها عنصرية وكانت “عرب ترند” قد رصدت ذلك في مقالات سابقة.