عرب ترند- أثارت مساعدات غذائية أرسلتها ليبيا إلى تونس جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، إذ انقسمت آراء التونسيين بين الاستياء من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي بلغته البلاد، وصل بها حدّ ما اعتبروه “إذلالاً وإهانة” للدول الأخرى، وبين استحسان دعم ليبيا الذي تربطها علاقة تاريخية مع تونس.
والثلاثاء، أعلن الملحق الإعلامي بالسفارة الليبية في تونس، نعيم العشيبي، وصول 96 شاحنة محمّلة بالمؤن الغذائية إلى تونس عبر منفذ رأس اجدير الحدودي. وقال العشيبي، في تصريح إعلامي، إن الشاحنات التي وصلت تونس ستكون متبعة بـ74 أخرى ليبلغ الإجمالي 170 شاحنة.
وأشار إلى أن هذه المساعدات مقدمة من حكومة الوحدة الوطنية، في إطار “دعم الشعب التونسي الذي يواجه نقصًا حادًّا في السلع الغذائية الأساسية”.
وجاءت المساعدات الليبية عقب شحنة مساعدات سابقة، قدّمتها الحكومة الليبية أيضاً إلى تونس، وتمثّلت في 30 مليون طن من المحروقات، بعد أزمة وقود حادة عرفتها البلاد.
علاقات تاريخية تجمع البلدين ولا داعي للمزايدات
وتعليقاً على المساعدات الليبية، رأى بعض التونسيين أن هذه المساعدات تدلّ على عمق العلاقات الأخوية التي تربط الشعبين، إذ قال أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبد اللطيف الحناشي، إن “تونس وليبيا جارتان ولهما تاريخ مشترك عبر العصور.. وفي التاريخ المعاصر كانت تونس ملجأً لسكان طرابلس قبل الاحتلال الإيطالي لليبيا ومن بعده.. وفي أغلب المدن التونسية كانت هناك أحياء خاصة بـ”الطرابلسية” وجزء هام من سكان البلاد التونسية من أصول ليبية”.
وأضاف الحناشي، في منشور له، أنّ تونس فتحت بعد 1987 أسواقاً جديدة، وأطلقت على واحد منها: “سوق ليبيا، حيث كان يعج بكل أنواع الأغذية والبضائع الليبية، إضافة إلى بيع الوقود بأنواعه في أغلب مدن الجنوب الشرقي وتوافد الليبيين على العلاج والسياحة في تونس”.
وأوضح في السياق: “كانت الحدود مفتوحة بين القطرين وكان التبادل الاقتصادي (الرسمي والموازي) بين القطرين واسعاً وكان هناك ألاف من التونسيين يعملون في ليبيا كما انتصبت مؤسسات اقتصادية تونسية في ليبيا. كل ذلك كان طبيعياً فرضته الجغرافيا والتاريخ والاجتماع”.
وتابع: “لا يجب أن ننسى أن بعيد سقوط النظام في ليبيا واندلاع الحرب انتقل آلاف من الإخوة الليبيين إلى تونس وكان الكرم التونسي المعتاد حاضراً بقوة”، لافتاً إلى أن ما جرى ويجري بين القطرين ليبيا وتونس وهذه الأخيرة والجزائر من الأمور البديهية ونحمد الله على ذلك”.
وذكر الحناشي، أنّ “تونس ومن بعد الاستقلال كانت تتلقى المعونات والمساعدات من أمريكا وبعض الدول الأوروبية إلى حدود بداية السبعينات وأن تونس أيضاً ومنذ استقلالها عرفت أزمات اقتصادية ومالية متواصلة (الخمسينات والستينات والسبعينات..) هو ذا واقع البلاد وأن كنا نغير على بلادنا فعلينا أن نبتعد على المكابرة ونتواضع قليلا”.
بدوره، وافق التونسي صلاح السنوسي، ما جاء على لسان الحناشي، ولفت إلى أن كل دول العالم تتلقى مساعدات، خاصة بين الدول التي تربطها علاقات تاريخية مثل تونس وليبيا.
وأكد السنوسي في تدوينة فيسبوكية: “بين تونس وليبيا علاقات قديمة، بينها علاقات عائلية وأسألوا أهلنا في الجنوب، كفاكم من التعاليق التي لا معنى لها”، مشيراً إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب التي تعرفه تونس منذ سنوات، ويعتبر تلقي تونس مساعدات غذائية من ليبيا أو أي دولة أخرى عيباً كبيراً.
في ذات السياق، شكر حامد حرزالله ليبيا على مساندتها لتونس في أزمتها الاقتصادية الحادة. وقال حرزالله في منشور له على “فيسبوك”: “لا يجب أن نخجل من مثل هذه المبادرات التي تؤكد مدى متانة روابط الإخاء بين الشعبين عبر التاريخ ولعل العلاقة المتينة بين نظام بن علي ونظام القذافي أكبر دليل على ذلك ومثل هذه المساعدات الليبية الجديدة ليست بالسابقة”.
وعلق الناشط الحقوقي، مصطفى عبد الكبير على المساعدات الليبية، قائلاً: “المساعدات التي عبرت المعبر عبر عشرات الشاحنات (96شاحنة) وغالبها محمل بالدقيق والزيت النباتي..هي مساعدات جاءت من حكومة طرابلس للتعبير عن عمق العلاقات التونسية و بادرة اعتراف بالجميل لما قدمه الشعب التونسي من تضحيات تجاه الأخوة اللبيبين في حقبات زمنية مختلفة”.
إهانة وإذلال
في المقابل، اعتبر عدد من التونسيين المساعدات الليبية بـ”إهانة وذلال” لهم، واصفين تونس بالدولة “المنكوبة” التي بدأت تتلقى المساعدات الإنسانية من دول تعاني ويلات الحرب.
وفي هذا السياق، قال االباحث مصطفى عطية في منشور: “مساعدات غذائية ليبية لتونس.. وأخيرًا أصبحنا شعبًا منكوبًا في أرضه!”، وتابع: “مخجل، مهين، محبط! تونس أبوليوس، تونس حنبعل، تونس دهيا(الكاهنة)، تونس حشاد، تونس بورقيبة… لا تستحق هذا الانحدار الرهيب …كفى عارًا!”.
وعلق محمد طاهر شكري: “تونس المنكوبة، تتلقّى مساعدات غذائية من ليبيا”، بينما أشارت منى الهمامي إلى حالة الذل التي وصلت لها البلاد.
ولفت الأستاذ رضا الشكندالي، أيضاً إلى أن “التسول الغذائي من بلد شقيق كان ولا يزال يعيش من المواد الغذائية التونسية التي تصدر إليه بطرق منظمة أوعن طريق التهريب”، مضيفاً: “أطنان المواد الغذائية المدعمة وغير المدعمة تصدر سنويا من تونس إلى ليبيا منذ سنوات عديدة تعود في شكل مساعدات غذاء وبطريقة مهينة… فلا شيء يستغرب في هذه البلاد. وا أسفاه على تونس إلى أين وصلنا”.
وقالت منى الهمامي: “هذي أخرتها..ولينا ناخذوا في مساعدات غذائية من ليبيا .. يال العار والمصيبة أنها في الأصل تلقاها سلع تونسيه كل أنوع الذل ذقناها في البلاد ليس بعد هذا الذل ذل؟”.
وتابعت: “قافلة الإغاثة الليبية قسمت التوانسة إلي نوعين، نوع له كرامه وانفه أوجعه المشهد ونوع رخيص ذليل لم ينزعج”.
ومع اعتبار بعض التونسيين المساعدات الليبية إهانة وإذلالاً، ألقى آخرون باللوم على نظام الرئيس قيس سعيد وسياسات حكومته “الفاشلة” في إدارة البلاد وفي ايجاد حلول للنهوض باقتصاد البلاد، إذ قال محجوب السعيدي، إنه “تتلقى مساعدات غذائية أساسية من دولة عاشت حربا أهلية طاحنة على مدى ستِّ سنواتٍ كاملة( 2011 و 2014-2020)، هذا يعني أن حجم الدمار الذي لحقك تحت حكم الهواة و العاهات، يفوق دمار الحروب، والحروب الأهلية”، وفق تدوينة له على فيسبوك.
من جانبه، تحدّث المحلل السياسي التونسي لطفي العماري، في مداخلة إعلامية، بضجر عن الوضع الاقتصادي الذي تشهده تونس، مشيراً إلى أن الشعب التونسي أصبح متسوّلاً ومنكوباً، لافتاً إلى أن المساعدات الغذائية لا تقدّم إلا للشعوب المنكوبة أو الشعوب التي تعيش حروباً، على حد قوله.
كما شدد كمال الفرشيشي على أنّ “تونس لا تتسوّل لكنها بلد مافيات وسرّاق ومحتكرين وخونة”، في إشارة إلى تعمّد بعض التجار احتكار بعض المواد الغذائية وتوزيعها وفق أهوائهم أو وفق سياسة البيع المشروط.
وتوجّهت الصحفية سهام عمار في منشور، إلى الحكومة ورئاسة الجمهورية بالقول: “السيد الرئيس قيس سعيد..لقد وصلت اليوم إلى شعبكم مساعدات غذائية بسبب عدم قدرتكم على توفير المواد الأساسية وتركيزكم على حروبكم السياسية من بلد يعيش حربا أهلية مسلحة منذ اثنى عشر عاما !!!”.
أزمة مواد غذائية أساسية
الجدير بالذكر، أن الأسواق والمحلات التجارية التونسية، تشهد منذ أشهر نقصاً حادّاً في عدد من المواد الغذائية الأساسية (سكر، حليب، زيت طهي، قهوة، دقيق، زبدة)، مما جعل المواطنيين يوجهون نداءات متكررة للحكومة لتوفير هذه المواد المفقودة.
وفي الوقت الذي يتسابق فيه التونسيون على رفوف المحلات للظفر بإحدى هذه المواد، وتعدد طوابير الانتظار أمام المحلات هنا وهناك، بقي الرئيس قيس سعيد في مناسبات عدة يعلن “الحرب” على محتكري المواد الغذائية ويهددهم بالتتابعات القانونية.
وفي مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية سابقا، عبر صفحتها الرسمية في موقع “فيسبوك” قال سعيّد إنها “حرب دون هوادة ضد المحتكرين المجرمين في إطار القانون”.
وأشار إلى أن عمليات “الاحتكار بفعل فاعل.. وهي سعي إلى ضرب السلم الاجتماعي والأمن في المجتمع”، مؤكدا أنه يعمل على إعداد مشروع مرسوم رئاسي لمواجهة الاحتكار في المواد الغذائية ومسالك توزيعها، والتي يعتبرها “مسالك التجويع”، ويتضمن عقوبات تصل إلى السجن.